المهاتما غاندي في مسقط رأس جورج أورويل

باحثا عن مسقط رأس الكاتب الروائي الشهيرعالميا جورج أورويل، سافر الصحفي الاسكتلندي إيان جاك عام 1983 إلى مدينة موتيهاري في بيهار، الهند، و بعد جهد كبير، تمكن في النهاية من زيارة المكان الذي وُلد فيه الكاتب، ومن العثور على مخزن الأفيون الذي كان يديره والده، ريتشارد بلير، بصفته موظفا في إدارة الأفيون التابعة للخدمة المدنية الهندية. ثم كتب إيان بعد ذلك مقالا تم نشره عام 1984، في صحيفة “صنداي تايمز بعنوان ” في البحث عن جارج آورويل” “.اختار ايان في كتابة اسم الكاتب النطق الذي نطق به السكان المحليون في موتيهاري و ذكر في مقاله أن سكان موتيهاري لا يعلمون أن مدينتهم كانت مسقط رأس الكاتب الروائي الشهير

وهذا ليس من الغريب لأن موتيهاري هي مدينة صغيرة، و لا يتردد اسمها على الخريطة السياسية و الثقافية و الاقتصادية المركزية، لوقوعها على هامشها، لكنها مع ذلك تزخر بتاريخ تذهب جذوره إلى العمق و القدم. وهي مقر مديرية شمبارن الشرقية في ولاية بيهار الهندية. وهي تقع على بُعد 152 كيلومترًا شمال غرب عاصمة الولاية بتنا وتحدها نيبال في شمالها على حدود راكسول-بيرغنغ. تعتبر هذه الحدود واحدة من النقاط الرئيسية للدخول إلى نيبال بسبب موقعها الاستراتيجي وسهولة التجارة والسفر بين البلدين.إن المدينة تتباهي، وبكل أحقية، بعلاقتها و ارتباطها بشخصيات عالمية مثل المهاتماغوتم بوذا، و المهاتما غاندي والكاتب الانجليزي جورج أورويل

 يقال إن المهاتما غوتم بوذا قام بزيارة هذه المنطقة في آخر أيامه و ألقى موعظته في كيسريا قرب مدينة موتيهاري. فتذكارا له، قام الإمبراطور بريادارشي أشوكا ببناء إسطبة بوذية أو ستوبا في القرن الثالث قبل الميلاد. اكتشفت هيئة المسح الأثري في الهند هذه الاسطبة البوذية في عام 1998 في التنقيب وقد أعلنت أن ولاية بيهار تفتخر بأطول الإسطبة في العالم. هذه الإسطبة تعرف بـ”إسطبة كيسريا” مع طولها 104 أقدام، اطول من معبد بوروبودور البوذي الذي يقع في اندونيسيا حيث طوله يذهب إلى 103 أقدام فقط

في فترة ما قبل السكك الحديدية أي قبل النصف الثاني من القرن التاسع عشر، كان الطريق المائي يستخدم لنقل السلع التجارية من معظم أراضي الهند الشمالية على سهول الغانج الهندي إلى خليج البنغال ثم من هنا تبدأ التجارة البحرية إلى أوربا.وأقدس الأنهار الهندية نهر الغانج كان أيضا أكبر الطرق الرئيسية المائية حيث يربط شمال الهند ببنغال.نهر الغانج له روافد تتصل به كالأوردة و تنتشر في المناطق السهلة وكانت تزوده بالسلع التجارية. ومن روافده نهر غاندك الذي يمر بمناطق موتيهاري و يلتقي بنهر الغانج بالقرب من عاصمة بيهار، بتنا عند سونبور. نهرغاندك كان الشريان الرئيسي للتجارة حيث كان تُرسل الحبوب، والأفيون، والنيل عبر هذا النهر، ويتم إحضار الأرز الخشن، والملح، والتوابل، والقطن في المقابل.هنا يستحق الأفيون والنيل ذكرا خاصا لأنهما يحملان في طياتهما دلالات استعمارية

في أوائل العهد الاستعماري أو خلال النصف الأول من القرن التاسع عشر، كان الأفيون والنيلة من السلع ذات الأهمية البالغة في الاقتصاد العالمي، وكانت لهما ارتباطات رئيسية بأشكال العمل القسري التي بدأت تبرز منذ ثلاثينيات ذلك القرن. كانت فترة العقد الثاني من القرن التاسع عشر نقطة تحول فقدت فيها المنتجات الحرفية الهندية قدرتها على المنافسة في السوق العالمية. فقد حلّ الشاي الصيني محل المنسوجات الهندية كأهم سلعة في تجارة شركة الهند الشرقية الإنجليزية.في البداية، كان البريطانيون يتاجرون الشاي الصيني بالفضة لكن سرعان ما ظلوا يواجهون قلة الفضة لدفع ثمن الشاي ولم يتمكنوا من العثور على كمية كافية منها في بلاده. ولمواجهة هذا الأزمة، جعلوا يستخدمون الأفيون كوسيلة للتبادل مقابل الشاي، و بدأت شركة الهند الشرقية البريطانية بزراعة الأفيون في البنغال و بيهار.فقامت بإدارة مئات من مزارع الأفيون و بإنشاء مخازن له وتعيين موظفين انجليزين على إدارتها. من اولئك الموظفين كان ريتشارد بلير، والد جورج أورويل، تم تعينه كموظف في إدارة الأفيون في موتيهاري.لما ولد أورويل عام 1903 كان والده موظفا في موتيهاري. لكن في غضون سنة واحدة من ولادته تم انتقاله من موتيهاري إلى مونغيروذهبت به والدته إلى انجلترا. و كما ذكر ايان جاك أن المدينة لم تستطع أن تعلم من هوهذا الطفل وماذا حقق في حياته و كيف ذاع صيته في العالم. هكذا ظل مولده مجهولا حتى تمكن ايان من العثور عليه عام 1983.

كذالك، إن قصة علاقة المهاتما غاندي بمدينة موتيهاري رائعة و تبعث على الاعجاب بشكل مماثل.في أوائل القرن التسع عشر، تزايد الطلب على الصبغة الزرقاء المستخلصة من نبات النيلة  في سوق أوروبا، فأصبحت زراعة النيلة أكثر ربحية تجارياً للتجار والزارعيين الأوربيين فأجبروا على الفلاحين في بيهارو بنغال على زراعتها بدلاً من المحاصيل الغذائية في أراضيهم الخاصة. كان يروج هناك نظام يعرف بـ” نظام النيلة”و بموجبه، يُجبر الفلاحون على زراعة النيلة على الأقل في ثلث عشرأو ثلاثة أجزاء من كل عشرين جزءًا من أراضيهم (حوالي 15%). كان الفلاحون يحصلون على قروض لزراعة النيلة، مما يورطهم في الديون ويجعلهم يعتمدون على المزارعين البريطانيين. ضد هذه الاستغلالات القاسية من قبل المزارعين البريطانيين ، اندلعت انتفاضات و ثورات في مناطق بنغال و استمرت  من 1859إلى 1860. تعرف هذه الانتفاضات  في التاريخ بـ”ثورة النيلة أو ثورة الزرقة”. وعلى الرغم من أن هذه الانتفاضات أدت إلى نهاية نظام النيلة في البنغال، إلا أنه استمرفي ولاية بيهار، وخاصةً في مناطق موتيهاري

في سنة 1916، التقى فلاح محلي يدعى راج موهن شكلا بمهاتما غاندي في لكناو و أخبره بالاستغلالات القاسية التي يتعرض لها الفلاحون من قبل المزارعين البريطانيين في ظل نظام النيلة و أقنعه بزيارة موتيهاري ليرى بنفسه معاناة الفلاحين المستأجرين. في 18 أبريل 1917، زار غاندي مدينة موتيهاري وأطلق أول ساتياغراها له أو المقاومة اللاعنفية بقوة الحق وهكذا وفر لمدينة موتيهاري فرصة لتفتخر بكونها انطلاقة لحركة استقلال الهند من خلال المقاومة اللاعنفية. فتخليدا  لذكرى هذه الحركة وتكريمًا لمهاتما غاندي، تم إنشاء عمود تذكاري لغاندي في 10 يونيو 1972 و إعادة تسمية محطة قطار موتيهاري إلى “محطة قطار بابودهام موتيهاري” عام 2019، و تأسيس جامعة مهاتما غاندي المركزية في موتيهاري عام 2016

خلاصة القول أن موتيهاري مدينة صغيرة لكنها قديمة، وأنها تحمل في طياتها تاريخا عظيما، وأنها تسعد بقدوم المهاتما بوذا الميمون و تفتخر بكونها مولد الكاتب الانجليزي الشهير جورج أورويل وتتباهى بكونها نقطة البداية لحركة استقلال الهند التي أطلقها المهاتما غاندي.و يمكن القول إن ثالوث غاندي وبوذا وأورويل يقدرعلى أن يجذب السياح من داخل البلاد وخارجها ويحقق حضورًا بارزًا على الخريطة السياحية العالمية

One thought on “المهاتما غاندي في مسقط رأس جورج أورويل

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *